تتآلف القوى الاقتصادية في قارة آسيا لتستحيل إلى محركات جوهرية لسياساتها وللنمو العالمي، فيما يطل العالم ببطء من نفق الأزمة المالية، يتعملق نفوذ الصين المتنامي، والوضع المضطرب في شبه الجزيرة الكورية، وفضائح الفساد في الهند، لتخيم على المشهد العام في عام 2011. وباستدعاء الماثل من تداعيات وإرهاصات، هناك مايكتنف ثنايا العام الجديد من مخاطر سياسية يتعين متابعتها وفق رؤى محددة:
استغلال الصين لنفوذها الجيوسياسي والاقتصادي
يجلب النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي للصين الذي تتعاظم قوته بتسارع مجموعة من المخاطر العالمية. ويبرز التساؤل إذ كيف ستدير بكين نفوذها المتنامي وعلاقاتها مع بقية دول آسيا والولايات المتحدة. والصين هي المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي العالمي، ما يعني أن مسألة ما إذا كان اقتصادها ينمو بمعدل أكثر من اللازم بات مصدر قلق عالميا. وعليه، فالمتابعة ترصد أولا وفق مظهر التوتر مع الولايات المتحدة بسبب العملة، إذ تراجع على ما يبدو التوتر بين بكين وواشنطن بسبب قيمة العملة الصينية «يوان». ولكن نشر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية حول ما إذا كانت الصين تتلاعب بعملتها، وهو النشر الذي جرى تأجيله منذ أكتوبر (تشرين الأول)، قد يحدد طابع العلاقات بين أكبر قوتين اقتصاديتين. كذلك ستراقب الأسواق عن كثب زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو للولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) المقبل.
ثم كيف ستستخدم الصين نفوذها الإقليمي، فالآثار الناجمة عن نزاع حدودي مع اليابان في سبتمبر (أيلول) سياسية أكثر منها اقتصادية، رغم أن تجميد بكين لصادراتها من الموارد الأرضية النادرة على ما يبدو كان عاملا رئيسا في استسلام طوكيو في نهاية المطاف. ونظرت دول أخرى لديها نزاعات حدودية بحرية مع بكين إلى هذه المواجهة بانزعاج خوفا من أن ينذر الموقف الصيني المتشدد بتزايد خطر المواجهات التي قد تلحق أضرارا بالسياسة والاقتصاد الإقليميين.
إن التضخم وأسعار الفائدة ستحدد الصين معدلا للتضخم قدره 4 في المائة في عام 2011، وهو أعلى من معدل التضخم هذا العام والذي بلغ 3 في المائة. وتلك دلالة على أن الحكومة ستتراجع عن تشديد السياسة النقدية النشطة حتى لو كانت ضغوط الأسعار تتزايد. ولكن يبدو أن التضخم سيزيد كثيرا عن هذا معدل التضخم المستهدف وقد يرفع صانعو السياسة أسعار الفائدة بشدة.
كوريا الشمالية وطبول الحرب
بلغ التوتر في شبه الجزيرة الكورية ذروته في سنوات إثر إغراق سفينة تابعة لكوريا الجنوبية في مارس (آذار) مع سقوط 46 قتيلا، وتبادل نيران المدفعية في نوفمبر (تشرين الثاني) الذي أسفر عن سقوط أربعة قتلى في جزيرة متنازع عليها. ونظرا للخلافات بين القوى الكبرى حول كيفية التعامل مع الأزمة ودخول كوريا الشمالية في مرحلة لانتقال السلطة من المحتمل أن تكون طويلة الأجل، فإن احتمالات نشوب حرب على شبه الجزيرة الكورية أو انفجار للنظام في بيونج يانج تبقى من الشكوك الرئيسة. وبالنظر إلى ذلك، فإن احتمال نشوب حرب يظل ضئيلا ولكنه حقيقي. يعتقد المحللون أنه من غير المرجح نشوب حرب خطيرة. ومن المؤكد تقريبا أن تمنى القوات المسلحة في كوريا الشمالية، سيئة التجهيز، بهزيمة سريعة إذا شنت حربا شاملة. وبيونج يانج مدركة لحدود قوتها، ولكن كوريا الشمالية لديها بالفعل القدرة على إطلاق آلاف القذائف المدفعية على سول في المراحل الأولى من الحرب، ما يدمر الصناعة في كوريا الجنوبية. وستؤدي أي حرب إلى هبوط يطال الأسواق في المنطقة. والخطر الأكبر هو حدوث خطأ أو إساءة تقدير من قبل كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية أثناء لعبة حافة الهاوية يؤدي إلى تصعيد غير مقصود يتمخض عن حرب لا يريدها أحد.
وملف الخلافة السياسية في كوريا الشمالية شأن آخر. إن تعيين كيم جونج أون الابن الأصغر لزعيم كوريا الشمالية في مواقع رئيسة يؤكد أنه الشخص الذي وقع عليه الاختيار لخلافة الزعيم في قيادة البلاد. وتصعد معه شقيقة جيم جونج إيل وزوجها ليشكلوا معا ثلاثيا مستعدا لتولي القيادة في الأسرة التي حكمت كوريا الشمالية منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن نظرا لظروف اقتصاد البلاد المحفوف بالمخاطر، فإن حصة المغانم التي تتقاسمها النخبة الحاكمة فيما بينها تتقلص دوما. وهناك دائما احتمال لأن يواجه النظام تحديا داخليا، لاسيما من الجيش.
وهناك علامات على انفجار النظام في بيونج يانج، إذ يعتبر معظم المحللين الانهيار الفوضوي للنظام، أو إعادة التوحيد المفاجئة لشبه الجزيرة الكورية باعتبارهما الخطر الأكبر على الأسواق. وخلافا للحرب التي تعد غير مرجحة، فإن تغيير النظام بات حتميا إن عاجلا أم أجلا. والسؤال الوحيد هو متى؟. وتشير معظم التقديرات إلى أن ذلك قد يكلف سول أكثر من تريليون دولار لاستيعاب جارتها الفقيرة. وإلى جانب التكاليف المالية الهائلة سيتعين على كوريا الجنوبية أن تتعامل مع تدفق محتمل لملايين اللاجئين، والاضطرابات الاجتماعية التي سيسببها ذلك، وقد يتزايد التوتر مع الصين حين تسعى بكين لحماية مصالحها وللتأثير على مستقبل كوريا الشمالية التي استخدمتها كمنطقة عازلة ضد الدول المؤيدة للغرب.
الإصلاح السياسي والاقتصادي في الهند
إن سلسلة من فضائح الفساد التي تفجرت في عام 2010، ومن أبرزها فضيحة مزعومة في قطاع الاتصالات قال مراقب الحكومة إنها قد تكلف الهند ما يصل إلى 39 مليار دولار، ستسيطر على ما يبدو على السياسة والاقتصاد الهنديين في عام 2011. قد يكون الفساد واحدا من حقائق الاقتصاد في الهند، وأحد العوامل التي تدخل في حسابات المستثمرين. ولكن تأثيره على الحكومة قد يصبح أشد ضررا على الأسواق الهندية. والمخاطر الرئيسة التي يواجهها المستثمرون من ذات شقين. فمن المحتمل أن تستمر قضية الفساد في شل حركة البرلمان حين تعرقل المعارضة التي ازدادت جرأة عمله، أو أن تؤدي الفضائح إلى بيئة سياسية أقل تناغما مع الاقتصاد، ما يفرض توخي ما يطال.
تعثر الإصلاحات الاقتصادية. إذ أظهرت المعارضة أنها قادرة على وقف تمرير مشاريع القوانين من خلال البرلمان، والنقاش الصاخب وإجبار البرلمان على تعليق أعماله لأسابيع، بينما طالبت بإجراء تحقيق مشترك في فضيحة قطاع الاتصالات. وتعهدت المعارضة بتكثيف حملتها ضد ائتلاف يقوده حزب المؤتمر الهندي عندما يستأنف البرلمان أعماله في عام 2011، ما يعني أن الإصلاحات المالية واسعة النطاق التي ينتظرها المستثمرون قد تؤجل. ومن بين التغييرات الرئيسة التي تتطلع إليها الأسواق، وخصوصا الشركات الأجنبية التي تتطلع إلى توسيع أعمالها في الهند، إعادة صياغة قانون الضرائب المعقد لتصبح الضرائب أكثر ملاءمة للسلع والخدمات الاستثمارية وقوانين لتحرير قطاع التجزئة التي تنتظرها بشغف شركات مثل «وول مارت».
ولناحية المواجهة بين الحكومة والشركات أصيبت مصداقية رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ بضربة كبيرة بسبب المزاعم. وهاجم في ديسمبر (كانون الأول) الشركات الهندية بسبب خوائها الأخلاقي. والقلق هو أن يكون هذا الهجوم خطوة أخرى على الطريق نحو المواجهة بين الحكومة والشركات. وأظهرت وزارة البيئة الهندية بالفعل أنها لا تخشى من الصدام مع مصالح الشركات وهي تتخذ موقفا هجوميا متزايدا في سعيها لفرض قوانين البيئة. وتخضع للمراجعة استثمارات قيمتها مليارات الدولارات من بينها مشروع مقترح تكلفته 12 مليار دولار لإقامة مصنع للصلب تقدمت به شركة «بوسكو» الكورية الجنوبية. وستكون شركات أخرى لديها إما صفقات تمت الموافقة عليها لإقامة مصانع ومنشآت صناعية أو تخطط لاستثمارات على علم بالمراجعة التي تجريها وزارة البيئة.
تأثير المخاطر السياسية على الاقتصادات المتقدمة في آسيا
هناك جذور متشابهة للغموض الذي يكتنف أكبر قوتين اقتصاديتين في آسيا اليابان وأستراليا، وهو أن عدم إحكام حكومتي الدولتين لقبضتيهما على السلطة يزيد السياسة تعقيدا.
وتبلغ مستويات التأييد لرئيس الوزراء الياباني ناوتو كان نحو 20 في المائة، وتستطيع أحزاب المعارضة عرقلة تمرير القوانين في البرلمان. وفي أستراليا تعتمد حكومة الإقلية التي تتزعمها رئيسة الوزراء جوليا جيلارد على تأييد حزب الخضر وأعضاء البرلمان المستقلين لإقرار التشريعات.
والخطر الرئيس الذي تواجهه الأسواق في الدولتين هو أن تنغمس الحكومتان في السعي لكسب التأييد اليومي وأن ينشغل الزعماء في الدولتين بالتصدي للهجمات الداخلية والخارجية، ولكنهما يفتقران إلى السلطة أو رأس المال عن أداء عمل الحكومة بفاعلية بما في ذلك إقرار بعض القوانين التي لا تحظى بالتأييد أحيانا. وهنا، يجب ملاحظة أن ميزانية العام المقبل في اليابان. فالتحرك الحكومي مطلوب للتعامل مع المشكلات عميقة الجذور. والمشكلة الأكثر إلحاحا تلك المتعلقة بعبء الدين العام الهائل الذي يصل حجمه ضعف حجم الاقتصاد الذي يبلغ خمسة تريليونات دولار. وينهمك الحزب الديموقراطي الياباني الحاكم منذ شهور في إطفاء الحرائق بدلا من اتخاذ الخطوات الصعبة التي يقول الاقتصاديون إنها ضرورية لدفع الاقتصاد. وسيكون إقرار ميزانية العام المالي 2011/ 2012 الذي يبدأ في أبريل (نيسان) اختبارا رئيسا.
كما أن هناك احتمالات انتخابات مبكرة في اليابان إذا وجدت الحكومة التي تحتاج بالفعل إلى مساعدة حزب صغير من أجل تمرير القوانين في البرلمان. إن المأزق يجعلها غير قادرة على إقرار الميزانية، فإن كان قد يشعر أنه مجبر للدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة. وعلى أي حال ستتاح للناخبين الفرصة للتعبير عن استيائهم من الحزب الديموقراطي الياباني في الانتخابات البلدية في أبريل (نيسان). وإذا كان أداء الحزب أسوأ من المتوقع، فمن غير المرجح أن يستقيل كان ليس فقط لأنه لا يوجد سوى بدائل قليلة له أن وجدت ولا يوجد زعيم جديد آخر قادر على حل مشكلات اليابان، وكان هو خامس زعيم في اليابان منذ عام 2006.
ثم هل تستطيع اليابان أن تشرع في إصلاحات اقتصادية. يقول الخبراء إن زيادة ضريبة المبيعات إلى 5 في المائة مسألة رئيسة، وهي فكرة متطرفة في بلد لم تطرأ فيه زيادة على الضرائب منذ سنوات، وهو أمر انتهكه الحزب الديموقراطي الياباني. ولا يزال من المستبعد أن يسعى كان إلى فرض هذه القضية نظرا لتدني شعبيته واستنزاف قوته البرلمانية. وأمرت الحكومة في ديسمبر (كانون الأول) بخفض قدره خمس نقاط مئوية في ضرائب الشركات يبدأ بدءا من أبريل (نيسان) 2011، ولكن المحللين يتشككون في أن هذه الخطوة ستدعم إنفاق الشركات اليابانية أو شعبية الحزب الديموقراطي الياباني.
استغلال الصين لنفوذها الجيوسياسي والاقتصادي
يجلب النفوذ الجيوسياسي والاقتصادي للصين الذي تتعاظم قوته بتسارع مجموعة من المخاطر العالمية. ويبرز التساؤل إذ كيف ستدير بكين نفوذها المتنامي وعلاقاتها مع بقية دول آسيا والولايات المتحدة. والصين هي المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي العالمي، ما يعني أن مسألة ما إذا كان اقتصادها ينمو بمعدل أكثر من اللازم بات مصدر قلق عالميا. وعليه، فالمتابعة ترصد أولا وفق مظهر التوتر مع الولايات المتحدة بسبب العملة، إذ تراجع على ما يبدو التوتر بين بكين وواشنطن بسبب قيمة العملة الصينية «يوان». ولكن نشر تقرير لوزارة الخارجية الأمريكية حول ما إذا كانت الصين تتلاعب بعملتها، وهو النشر الذي جرى تأجيله منذ أكتوبر (تشرين الأول)، قد يحدد طابع العلاقات بين أكبر قوتين اقتصاديتين. كذلك ستراقب الأسواق عن كثب زيارة الرئيس الصيني هو جينتاو للولايات المتحدة في يناير (كانون الثاني) المقبل.
ثم كيف ستستخدم الصين نفوذها الإقليمي، فالآثار الناجمة عن نزاع حدودي مع اليابان في سبتمبر (أيلول) سياسية أكثر منها اقتصادية، رغم أن تجميد بكين لصادراتها من الموارد الأرضية النادرة على ما يبدو كان عاملا رئيسا في استسلام طوكيو في نهاية المطاف. ونظرت دول أخرى لديها نزاعات حدودية بحرية مع بكين إلى هذه المواجهة بانزعاج خوفا من أن ينذر الموقف الصيني المتشدد بتزايد خطر المواجهات التي قد تلحق أضرارا بالسياسة والاقتصاد الإقليميين.
إن التضخم وأسعار الفائدة ستحدد الصين معدلا للتضخم قدره 4 في المائة في عام 2011، وهو أعلى من معدل التضخم هذا العام والذي بلغ 3 في المائة. وتلك دلالة على أن الحكومة ستتراجع عن تشديد السياسة النقدية النشطة حتى لو كانت ضغوط الأسعار تتزايد. ولكن يبدو أن التضخم سيزيد كثيرا عن هذا معدل التضخم المستهدف وقد يرفع صانعو السياسة أسعار الفائدة بشدة.
كوريا الشمالية وطبول الحرب
بلغ التوتر في شبه الجزيرة الكورية ذروته في سنوات إثر إغراق سفينة تابعة لكوريا الجنوبية في مارس (آذار) مع سقوط 46 قتيلا، وتبادل نيران المدفعية في نوفمبر (تشرين الثاني) الذي أسفر عن سقوط أربعة قتلى في جزيرة متنازع عليها. ونظرا للخلافات بين القوى الكبرى حول كيفية التعامل مع الأزمة ودخول كوريا الشمالية في مرحلة لانتقال السلطة من المحتمل أن تكون طويلة الأجل، فإن احتمالات نشوب حرب على شبه الجزيرة الكورية أو انفجار للنظام في بيونج يانج تبقى من الشكوك الرئيسة. وبالنظر إلى ذلك، فإن احتمال نشوب حرب يظل ضئيلا ولكنه حقيقي. يعتقد المحللون أنه من غير المرجح نشوب حرب خطيرة. ومن المؤكد تقريبا أن تمنى القوات المسلحة في كوريا الشمالية، سيئة التجهيز، بهزيمة سريعة إذا شنت حربا شاملة. وبيونج يانج مدركة لحدود قوتها، ولكن كوريا الشمالية لديها بالفعل القدرة على إطلاق آلاف القذائف المدفعية على سول في المراحل الأولى من الحرب، ما يدمر الصناعة في كوريا الجنوبية. وستؤدي أي حرب إلى هبوط يطال الأسواق في المنطقة. والخطر الأكبر هو حدوث خطأ أو إساءة تقدير من قبل كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية أثناء لعبة حافة الهاوية يؤدي إلى تصعيد غير مقصود يتمخض عن حرب لا يريدها أحد.
وملف الخلافة السياسية في كوريا الشمالية شأن آخر. إن تعيين كيم جونج أون الابن الأصغر لزعيم كوريا الشمالية في مواقع رئيسة يؤكد أنه الشخص الذي وقع عليه الاختيار لخلافة الزعيم في قيادة البلاد. وتصعد معه شقيقة جيم جونج إيل وزوجها ليشكلوا معا ثلاثيا مستعدا لتولي القيادة في الأسرة التي حكمت كوريا الشمالية منذ تأسيسها بعد الحرب العالمية الثانية. ولكن نظرا لظروف اقتصاد البلاد المحفوف بالمخاطر، فإن حصة المغانم التي تتقاسمها النخبة الحاكمة فيما بينها تتقلص دوما. وهناك دائما احتمال لأن يواجه النظام تحديا داخليا، لاسيما من الجيش.
وهناك علامات على انفجار النظام في بيونج يانج، إذ يعتبر معظم المحللين الانهيار الفوضوي للنظام، أو إعادة التوحيد المفاجئة لشبه الجزيرة الكورية باعتبارهما الخطر الأكبر على الأسواق. وخلافا للحرب التي تعد غير مرجحة، فإن تغيير النظام بات حتميا إن عاجلا أم أجلا. والسؤال الوحيد هو متى؟. وتشير معظم التقديرات إلى أن ذلك قد يكلف سول أكثر من تريليون دولار لاستيعاب جارتها الفقيرة. وإلى جانب التكاليف المالية الهائلة سيتعين على كوريا الجنوبية أن تتعامل مع تدفق محتمل لملايين اللاجئين، والاضطرابات الاجتماعية التي سيسببها ذلك، وقد يتزايد التوتر مع الصين حين تسعى بكين لحماية مصالحها وللتأثير على مستقبل كوريا الشمالية التي استخدمتها كمنطقة عازلة ضد الدول المؤيدة للغرب.
الإصلاح السياسي والاقتصادي في الهند
إن سلسلة من فضائح الفساد التي تفجرت في عام 2010، ومن أبرزها فضيحة مزعومة في قطاع الاتصالات قال مراقب الحكومة إنها قد تكلف الهند ما يصل إلى 39 مليار دولار، ستسيطر على ما يبدو على السياسة والاقتصاد الهنديين في عام 2011. قد يكون الفساد واحدا من حقائق الاقتصاد في الهند، وأحد العوامل التي تدخل في حسابات المستثمرين. ولكن تأثيره على الحكومة قد يصبح أشد ضررا على الأسواق الهندية. والمخاطر الرئيسة التي يواجهها المستثمرون من ذات شقين. فمن المحتمل أن تستمر قضية الفساد في شل حركة البرلمان حين تعرقل المعارضة التي ازدادت جرأة عمله، أو أن تؤدي الفضائح إلى بيئة سياسية أقل تناغما مع الاقتصاد، ما يفرض توخي ما يطال.
تعثر الإصلاحات الاقتصادية. إذ أظهرت المعارضة أنها قادرة على وقف تمرير مشاريع القوانين من خلال البرلمان، والنقاش الصاخب وإجبار البرلمان على تعليق أعماله لأسابيع، بينما طالبت بإجراء تحقيق مشترك في فضيحة قطاع الاتصالات. وتعهدت المعارضة بتكثيف حملتها ضد ائتلاف يقوده حزب المؤتمر الهندي عندما يستأنف البرلمان أعماله في عام 2011، ما يعني أن الإصلاحات المالية واسعة النطاق التي ينتظرها المستثمرون قد تؤجل. ومن بين التغييرات الرئيسة التي تتطلع إليها الأسواق، وخصوصا الشركات الأجنبية التي تتطلع إلى توسيع أعمالها في الهند، إعادة صياغة قانون الضرائب المعقد لتصبح الضرائب أكثر ملاءمة للسلع والخدمات الاستثمارية وقوانين لتحرير قطاع التجزئة التي تنتظرها بشغف شركات مثل «وول مارت».
ولناحية المواجهة بين الحكومة والشركات أصيبت مصداقية رئيس الوزراء الهندي مانموهان سينغ بضربة كبيرة بسبب المزاعم. وهاجم في ديسمبر (كانون الأول) الشركات الهندية بسبب خوائها الأخلاقي. والقلق هو أن يكون هذا الهجوم خطوة أخرى على الطريق نحو المواجهة بين الحكومة والشركات. وأظهرت وزارة البيئة الهندية بالفعل أنها لا تخشى من الصدام مع مصالح الشركات وهي تتخذ موقفا هجوميا متزايدا في سعيها لفرض قوانين البيئة. وتخضع للمراجعة استثمارات قيمتها مليارات الدولارات من بينها مشروع مقترح تكلفته 12 مليار دولار لإقامة مصنع للصلب تقدمت به شركة «بوسكو» الكورية الجنوبية. وستكون شركات أخرى لديها إما صفقات تمت الموافقة عليها لإقامة مصانع ومنشآت صناعية أو تخطط لاستثمارات على علم بالمراجعة التي تجريها وزارة البيئة.
تأثير المخاطر السياسية على الاقتصادات المتقدمة في آسيا
هناك جذور متشابهة للغموض الذي يكتنف أكبر قوتين اقتصاديتين في آسيا اليابان وأستراليا، وهو أن عدم إحكام حكومتي الدولتين لقبضتيهما على السلطة يزيد السياسة تعقيدا.
وتبلغ مستويات التأييد لرئيس الوزراء الياباني ناوتو كان نحو 20 في المائة، وتستطيع أحزاب المعارضة عرقلة تمرير القوانين في البرلمان. وفي أستراليا تعتمد حكومة الإقلية التي تتزعمها رئيسة الوزراء جوليا جيلارد على تأييد حزب الخضر وأعضاء البرلمان المستقلين لإقرار التشريعات.
والخطر الرئيس الذي تواجهه الأسواق في الدولتين هو أن تنغمس الحكومتان في السعي لكسب التأييد اليومي وأن ينشغل الزعماء في الدولتين بالتصدي للهجمات الداخلية والخارجية، ولكنهما يفتقران إلى السلطة أو رأس المال عن أداء عمل الحكومة بفاعلية بما في ذلك إقرار بعض القوانين التي لا تحظى بالتأييد أحيانا. وهنا، يجب ملاحظة أن ميزانية العام المقبل في اليابان. فالتحرك الحكومي مطلوب للتعامل مع المشكلات عميقة الجذور. والمشكلة الأكثر إلحاحا تلك المتعلقة بعبء الدين العام الهائل الذي يصل حجمه ضعف حجم الاقتصاد الذي يبلغ خمسة تريليونات دولار. وينهمك الحزب الديموقراطي الياباني الحاكم منذ شهور في إطفاء الحرائق بدلا من اتخاذ الخطوات الصعبة التي يقول الاقتصاديون إنها ضرورية لدفع الاقتصاد. وسيكون إقرار ميزانية العام المالي 2011/ 2012 الذي يبدأ في أبريل (نيسان) اختبارا رئيسا.
كما أن هناك احتمالات انتخابات مبكرة في اليابان إذا وجدت الحكومة التي تحتاج بالفعل إلى مساعدة حزب صغير من أجل تمرير القوانين في البرلمان. إن المأزق يجعلها غير قادرة على إقرار الميزانية، فإن كان قد يشعر أنه مجبر للدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة. وعلى أي حال ستتاح للناخبين الفرصة للتعبير عن استيائهم من الحزب الديموقراطي الياباني في الانتخابات البلدية في أبريل (نيسان). وإذا كان أداء الحزب أسوأ من المتوقع، فمن غير المرجح أن يستقيل كان ليس فقط لأنه لا يوجد سوى بدائل قليلة له أن وجدت ولا يوجد زعيم جديد آخر قادر على حل مشكلات اليابان، وكان هو خامس زعيم في اليابان منذ عام 2006.
ثم هل تستطيع اليابان أن تشرع في إصلاحات اقتصادية. يقول الخبراء إن زيادة ضريبة المبيعات إلى 5 في المائة مسألة رئيسة، وهي فكرة متطرفة في بلد لم تطرأ فيه زيادة على الضرائب منذ سنوات، وهو أمر انتهكه الحزب الديموقراطي الياباني. ولا يزال من المستبعد أن يسعى كان إلى فرض هذه القضية نظرا لتدني شعبيته واستنزاف قوته البرلمانية. وأمرت الحكومة في ديسمبر (كانون الأول) بخفض قدره خمس نقاط مئوية في ضرائب الشركات يبدأ بدءا من أبريل (نيسان) 2011، ولكن المحللين يتشككون في أن هذه الخطوة ستدعم إنفاق الشركات اليابانية أو شعبية الحزب الديموقراطي الياباني.